سورة الكهف من السور المكية وهي إحدى خمس سور بدأت بـ (الحمدلله)
(الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر) وهذه السورة ذكرت أربع قصص قرآنية
هي أهل الكهف، صاحب الجنتين، موسى والخضر وذو القرنين عليهم السلام أجمعين.
ولهذه السورة فضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة
أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء" وقال صلى الله عليه وسلّم "من أدرك منكم الدجال
فقرأ عليه فواتح سورة الكهف كانت له عصمة من الدجّال" والأحاديث في فضلها كثيرة.
وقصص سورة الكهف الأربعة يربطها محورا واحدا وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة:
فتنة الدين (قصة أهل الكهف)، فتنة المال (صاحب الجنتين)، فتنة العلم (موسى والخضر عليهما السلام) ،
وفتنة السلطة (ذو القرنين عليه السلام).
وهذه الفتن شديدة على الناس والمحرك الرئيسي لها هو الشيطان الذي يزيّن هذه الفتن ولهذا جاءت الآية
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء
مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) آية 50 وفي وسط السورة أيضاً.
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلّم أنه من قرأها عصمه الله تعالى من فتنة المسيح الدجّال
لأنه سيأتي بهذه الفتن الأربعة ليفتن الناس بها.
وقد جاء في الحديث الشريف: "من خلق آدم حتى قيام ما فتنة أشدّ من فتنة المسيح الدجال"
وكان صلى الله عليه وسلّم يستعيذ في صلاته من أربع: منها فتنة المسيح الدجال.
وقصص سورة الكهف كلها تتحدث عن إحدى هذه الفتن ثم يأتي بعده تعقيب بالعصمة من الفتن:
1. فتنة الدين: قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم فآووا إلى الكهف حيث حدثت لهم معجزة إبقائهم
فيه ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا وكانت القرية قد أصبحت كلها على التوحيد. ثم تأتي آيات تشير إلى كيفية
العصمة من هذه الفتنة (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ
فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَـاثــُوا بِمَاء
كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) آية 28 – 29.
فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة.
2. فتنة المال: قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك
الله تعالى الجنتين.
ثم تأتي العصمة من هذه الفتنة (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) آية 45 و46.
والعصمة من فتنة المال تكون في فهم حقيقة الدنيا وتذكر الآخرة.
3. فتنة العلم: قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وكان موسى عليه السلام ظنّ أنه أعلم أهل الأرض
فأوحى له الله تعالى بأن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر
عليه السلام لأنه لم يفهم الحكمة في أفعاله وإنما أخذ بظواهرها فقط. وتأتي آية العصمة من هذه الفتنة
(قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) آية 69.والعصمة من فتنة العلم هي التواضع وعدم الغرور بالعلم.
4. فتنة السلطة: قصة ذو القرنين الذي كان ملكاً عادلاً يمتلك العلم وينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها
يعلّم الناس ويدعو إلى الله وينشر الخير حتى وصل لقوم خائفين من هجوم يأجوج ومأجوج فأعانهم
على بناء سد لمنعهم عنهم وما زال السدّ قائماً إلى يومنا هذا.
وتأتي آية العصمة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) آية 103 و104.
فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الأعمال وتذكر الآخرة.
ختام السورة:
العصمة من الفتن: آخر آية من سورة الكهف تركّز على العصمة الكاملة من الفتن بتذكر اليوم الآخرة
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) آية 110 .
فعلينا أن نعمل عملاً صالحاً صحيحاً ومخلصاً لله حتى يَقبل، والنجاة من الفتن في انتظار لقاء الله تعالى.
فحري بنا أحبتي في الله أن نواظب على قراءة هذه السورة المباركة يوم الجمعة لننال هذا الفضل العظيم
الذي بينه لنا ربنا جل في علاه ...
وفي الختام
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الجنة ونعيمها وأن يعصمنا
من الدجال وفتنته وأن يقبضنا إليه وهو راض عنا .